كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {الكتاب} مفعول به: أي المكتوب، ويضعف أن يكون مصدرا، وذكر الإيدى توكيد، وواحدها يد، وأصلها يدى كفلس، وهذا الجمع جمع قلة، وأصله أيدى بضم الدال، والضمة قبل الياء، مستثقلة لاسيما مع الياء المتحركة، فلذلك صيرت الضمة كسرة ولحق بالمنقوص {ليشتروا} اللام متعلقة بيقولون {مما كتبت أيديهم} ما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة أو مصدرية، وكذلك {مما يكسبون}.
قوله تعالى: {إلا أياما} منصوب على الظرف، وليس للا فيه عمل، لان الفعل لم يتعد إلى ظرف قبل هذا الظرف، وأصل أيام، أيوام، فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء تخفيفا {أتخذتم} الهمزة للاستفهام، وهمزة الوصل محذوفة استغناء عنها بهمزة الاستفهام، وهو بمعنى جعلتم المتعدية إلى مفعول واحد {فلن يخلف} التقدير: فيقولوا لن يخلف {مالا تعلمون} {ما} بمعنى الذى، أو نكرة، ولا تكون مصدرية هنا.
قوله تعالى: {بلى} حرف يثبت به المجيب المنفى قبله تقول: ما جاء زيد، فيقول المجيب بلى: أي قد جاء ولهذا يصح أن تأتى بالخبر المثبت بعد بلى، فتقول: بلى قد جاء.
فإن قلت في جواب النفى نعم كان اعترافا بالنفى، وصح أن تأتى بالنفى بعده كقوله: ما جاء زيد، فنقول نعم ما جاء، والياء من نفس الحرف.
وقال الكوفيون: هي بل زيدت عليها الياء، وهو ضعيف {من كسب} في {من} وجهان:
أحدهما: هي معنى الذى، والثانى شرطية، وعلى كلا الوجهين هي مبتدأة إلا أن {كسب} لا موضع لها إن كانت من موصولة ولها موضع إن كانت شرطية، والجواب {فأولئك} وهو مبتدأ، و{أصحاب النار} خبره، والجملة جواب الشرط أو خبر من.
والسيئة على فيعلة مثل: سيد وهين، وقد ذكرناه في قوله: {أو كصيب} وعين الكلمة واو لأنه من ساءه يسوءه {به} يرجع إلى لفظ من، وما بعده من الجمع يرجع إلى معناها، ويدل على أن من بمعنى الذي المعطوف، وهو قوله: {والذين آمنوا}.
قوله تعالى: {لا تعبدون إلا الله} يقرأ بالتاء على تقدير: قلنا لهم لا تعبدون.
وبالياء لأن بنى إسرائيل اسم ظاهر، فيكون الضمير وحرف المضارعة بلفظ الغيبة، لأن الأسماء الظاهرة كلها غيب.
وفيها من الإعراب أربعة أوجه: أحدها أنه جواب قسم دل عليه المعنى وهو قوله، {أخذنا ميثاق} لأن معناه أحلفناهم، أو قلنا لهم بالله لا تعبدون.
والثانى أن أن مرادة، والتقدير أخذنا ميثاق بنى إسرائيل على أن لا تعبدوا إلا الله، فحذف حرف الجر ثم حذف أن فارتفع الفعل، ونظيره:
ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى

بالرفع والتقدير عن أن أحضر.
والثالث أنه في موضع نصب على الحال تقديره: أخذنا ميثاقهم موحدين، وهى حال مصاحبة ومقدرة، لأنهم كانوا وقد أخذ العهد موحدين، والتزموا الدوام على التوحيد، ولو جعلتها حالا مصاحبة فقط على أن يكون التقدير: أخذنا ميثاقهم ملتزمين الإقامة على التوحيد جاز، ولو جعلتها حالا مقدرة فقط جاز ويكون التقدير أخذنا ميثاقهم مقدرين التوحيد أبدا ما عاشوا، والوجه الرابع أن يكون لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهى، والتقدير: قلنا لهم لا تعبدوا، وفيه وجه خامس وهو أن يكون الحال محذوفة، والتقدير: أخذنا ميثاقهم قائلين كذا وكذا، وحذف القول كثير ومثل ذلك قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون} {إلا الله} مفعول تعبدون، ولا عمل للا في نصبه، إلا أن الفعل قبله لم يستوف مفعوله {وبالوالدين إحسانا} إحسانا مصدر، أي وقلنا أحسنوا بالوالدين إحسانا، ويجوز أن يكون مفعولا به، والتقدير: وقلنا استوصوا بالوالدين إحسانا، ويجوز أن يكون مفعولا له: أي ووصيناهم بالوالدين لأجل الإحسان إليهم {وذى القربى} إنما أفرد ذى هاهنا لأنه أراد الجنس، أو يكون وضع الواحد موضع الجمع، وقد تقدم نظيره {واليتامى} جمع يتيم، وجمع فعيل على فعالى قليل، والميم في {والمساكين} زائدة لأنه من السكون {وقولوا} أي وقلنا لهم قولوا {حسنا} يقرأ بضم الحاء وسكون السين وبفتحهما، وهما لغتان مثل: العرب والعرب والحزن والحزن، وفرق قوم بينهما فقالوا الفتح صفة لمصدر محذوف: أي قولا حسنا.
والضم على تقدير حذف مضاف أي قولا ذا حسن، وقرئ بضم الحاء من غير تنوين على أن الألف للتأنيث {إلا قليلا منكم} النصب على الاستثناء المتصل وهو الوجه، وقرئ بالرفع شإذا، ووجهه أن يكون بفعل محذوف كأنه قال: امتنع قليل، ولا يجوز أن يكون بدلا، لأن المعنى يصير ثم تولى قليل، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف: أي إلا قليل منكم لم يتول، كما قالوا: ما مررت بأحد إلا ورجل من بنى تميم خير منه، ويجوز أن يكون توكيدا للضمير المرفوع المستثنى منه، وسيبويه وأصحابه يسمونه نعتا ووصفا، وأنشد أبو علي في مثل رفع هذه الآية:
وبالصريمة منهم منزل خلق ** عاف تغير إلا النؤى والوتد

{وأنتم معرضون} جملة في موضع الحال المؤكدة، لأن توليتم يغنى عنه، وقيل المعنى توليتم بأبدانكم وأنتم معرضون بقلوبكم، فعلى هذا هي حال منتقلة، وقيل توليتم يعنى آباءهم وأنتم معرضون، يعنى أنفسهم كما قال: {وإذ نجيناكم من آل فرعون} يعنى آباءهم.
قوله تعالى: {من دياركم} الياء منقلبة عن واو لأنه جمع دار، والألف في دار واو في الأصل، لأنها من داريدور، وإنما قلبت ياء في الجمع لانكسار ما قبلها واعتلالها في الواحد.
فإن قلت: فكيف صحت في لو إذا؟ قيل: لما صحت في الفعل صحت في المصدر، والفعل لاوذت.
فإن قلت: فكيف في ديار؟ قيل الأصل فيه ديوار فقلبت الواو وأدغمت، {ثم أقررتم} فيه وجهان: أحدهما أن ثم على بابها في إفادة العطف والتراخى، والمعطوف عليه محذوف تقديره: فقبلتم ثم أقررتم، والثانى أن تكون {ثم} جاءت لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه، كقوله تعالى: {ثم الله شهيد}.
قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء} أنتم مبتدأ، وفى خبره ثلاثة أوجه: أحدها تقتلون، فعلى هذا في هؤلاء وجهان: أحدهما في موضع نصب بإضمار أعنى، والثانى هو منادى: أي يا هؤلاء، إلا أن هذا لا يجوز عند سيبويه، لأن أولاء مبهم، ولا يحذف حرف النداء مع المبهم، والوجه الثاني أن الخبر هؤلاء على أن يكون بمعنى الذين، وتقتلون صلته، وهذا ضعيف أيضا، لأن مذهب البصريين أن أولاء هذا لا يكون بمنزلة الذين، وأجازه الكوفيون.
والوجه الثالث أن الخبر هؤلاء على تقدير حذف مضاف تقديره: ثم أنتم مثل هؤلاء كقولك: أبو يوسف أبو حنيفة، فعلى هذا تقتلون حال يعمل فيها معنى التشبيه.
قوله: {تظاهرون عليهم} في موضع نصب على الحال، والعامل فيها تخرجون، وصاحب الحال الواو، ويقرأ بتشديد الظاء، والأصل تتظاهرون، فقلبت التاء الثانية ظاء وأدغمت، ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية، لأن الثقل والتكرر حصل بها، ولأن الأولى حرف يدل على معنى، وقيل المحذوفة هي الأولى، ويقرأ بضم التاء وكسر الهاء والتخفيف، وماضيه ظاهر {والعدوان} مصدر مثل الكفران، والكسر لغة ضعيفة، أسارى حال وهو جمع أسير، ويقرأ بضم الهمزة وبفتحها، مثل سكارى وسكارى، ويقرأ أسرى، مثل جريح وجرحى، ويجوز في الكلام أسراء، مثل شهيد وشهداء {تفدوهم} بغير ألف {وتفادوهم} بالألف، وهو من باب المفاعلة، فيجوز أن يكون بمعنى القراءة الأولى، ويجوز أن يكون من المفاعلة التي تقع من اثنين، لأن المفاداة كذلك تقع {وهو محرم عليكم} هو مبتدأ، وهو ضمير الشان، ومحرم خبره، و{إخراجهم} مرفوع بمحرم، ويجوز أن يكون إخراجهم مبتدأ، ومحرم خبر مقدم، والجملة خبر هو، ويجوز أن يكون هو ضمير الإخراج المدلول عليه بقوله: {وتخرجون فريقا منكم} ويكون محرم الخبر.
وإخراجهم بدل من الضمير في محرم، أو من هو {فما جزاء} ما نفى والخبر {خزى} ويجوز أن تكون استفهاما مبتدأ، وجزاء خبره، وإلا خزى بدل من جزاء {يفعل ذلك منكم} في موضع نصب على الحال من الضمير في يفعل {في الحياة الدنيا} صفة للخزى، ويجوز أن يكون ظرفا تقديره: إلا أن يخزى في الحياة الدنيا {يردون} بالياء على الغيبة لان قبله مثله، ويقرأ بالتاء على الخطاب ردا على قوله: {تقتلون} ومثله {عما تعملون} بالتاء والياء.
قوله عز وجل: {وقفينا} الياء بدل من الواو لقولك: قفوته، وهو يقفوه إذا اتبعه، فلما وقعت رابعة قلبت ياء {الرسل} بالضم وهو الأصل، والتسكين جائز تخفيفا، ومنهم من يسكن إذا أضاف إلى الضمير هربا من توالى الحركات، ويضم في غير ذلك {عيسى} فعلى من العيس، وهو بياض يخالطه شقرة، وقيل هو أعجمى لا اشتقاق له و{مريم} علم أعجمى، ولو كان مشتقا من رام يريم لكان مريما بسكون الياء، وقد جاء في الاعلام بفتح الياء نحو مزيد، وهو على خلاف القياس {وأيدناه} وزنه فعلناه، وهو من الأيد، وهو القوة، ويقرأ: {آيدناه} بمد الألف وتخفيف الياء، ووزنه أفعلناه.
فإن قلت: فلم لم تحذف الياء التي هي عين كما حذفت في مثل أسلناه من سال يسيل؟ قيل: لو فعلوا ذلك لتوالى إعلالان: أحدهما قلب الهمزة الثانية ألفا، ثم حذف الإلف المبدلة من الياء لسكونها وسكون الألف قبلها، فكان يصير اللفظ أدناه فكانت تحذف الفاء والعين، وليس كذلك أسلناه، لأن هناك حذفت العين وحدها {القدس} بضم الدال وسكونها لغتان، مثل المعسر والعسر {أفكلما} دخلت الفاء هاهنا لربط ما بعدها بما قبلها، والهمزة للاستفهام الذي بمعنى التوبيخ و{جاءكم} يتعدى بنفسه وبحرف الجر تقول: جئته وجئت إليه {تهوى} ألفه منقلبة عن ياء لأن عينه واو، وباب طويت وشويت أكثر من باب جوة وقوة، ولا دليل في هوى لانكسار العين وهو مثل شقى، فإن أصله واو، ويدل على أن هوى من اليائى أيضا قولهم في التثنية هويان {استكبرتم} جواب كلما {ففريقا كذبتم} أي فكذبتم فريقا، فالفاء عطفت كذبتم على استكبرتم، ولكن قدم المفعول ليتفق رءوس الآى، وفى الكلام حذف: أي ففريقا منهم كذبتم.
قوله تعالى: {غلف} يقرأ بضم اللام، وهو جمع غلاف، ويقرأ بسكونها.
وفيه وجهان: أحدهما هو تسكين المضموم، مثل كتب وكتب والثانى هو جمع أغلف، مثل أحمر وحمر، وعلى هذا لا يجوز ضمه، و{بل} هاهنا إضراب عن دعواهم، وإثبات أن سبب جحودهم لعن الله إياهم عقوبة لهم.
قوله: {بكفرهم} الباء متعلقة بلعن، وقال أبو علي: النية به التقديم: أي وقالوا قلوبنا غلف بسبب كفرهم، بل لعنهم الله معترض، ويجوز أن يكون في موضع الحال من المفعول في لعنهم أي كافرين كما قال- وقد دخلوا بالكفر- {فقليلا} منصوب صفة لمصدر محذوف، و{ما} زائدة أي فإيمانا قليلا {يؤمنون} وقيل صفة لظرف: أي فزمانا قليلا يؤمنون، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية، لأن قليلا لا يبقى له ناصب، وقيل {ما} نافية: أي فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا، ومثله {قليلا ما تشكرون} و{قليلا ما تذكرون} وهذا أقوى في المعنى وإنما يضعف شيئا من جهة تقدم معمول ما في حيز ما عليها.
قوله تعالى: {من عند الله} يجوز أن يكون في موضع نصب لابتداء غاية المجئ، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لكتاب {مصدق} بالرفع صفة لكتاب، وقرئ شإذا بالنصب على الحال، وفى صاحب الحال وجهان: أحدهما الكتاب، لأنه قد وصف فقرب من المعرفة.
والثانى أن يكون حالا من الضمير في الظرف، ويكون العامل الظرف أو ما يتعلق به الظرف، ومثله {رسول من عند الله مصدق}.
قوله: {من قبل} بنيت هاهنا لقطعها عن الإضافة والتقدير، من قبل ذلك {فلما جاءهم} أتى بلما بعد لما من قبل جواب الأولى.
وفى جواب الأولى وجهان: أحدهما جوابها لما الثانية وجوابها، وهذا ضعيف لأن الفاء مع لما الثانية، ولما لا تجاب بالفاء إلا أن يعتقد زيادة الفاء على ما يجيزه الأخفش، والثانى أن كفروا جواب الأولى والثانية لأن مقتضاهما واحد، وقيل الثانية تكرير فلم تحتج إلى جواب، وقيل جواب الأولى محذوف تقديره أنكروه، أو نحو ذلك {فلعنة الله} هو مصدر مضاف إلى الفاعل.
قوله تعالى: {بئس ما اشتروا} فيه أوجه: أحدها أن تكون {ما} نكرة غير موصوفة منصوبة على التمييز قاله الأخفش، واشتروا على هذا صفة محذوف تقديره شيء أو كفر، وهذا المحذوف هو المخصوص، وفاعل بئس مضمر فيها ونظيره:
لنعم الفتى أضحى بأكناف حايل

أي فتى أضحى.
وقوله: {أن يكفروا} خبر مبتدإ محذوف: أي هو أن يكفروا، وقيل أن يكفروا في موضع جر بدلا من الهاء في به، وقيل هو مبتدأ، وبئس وما بعدها خبر عنه.
والوجه الثاني أن تكون {ما} نكرة موصوفة، واشتروا صفتها، وأن يكفروا على الوجوه المذكورة، ويزيد هاهنا أن يكون هو المخصوص بالذم.
والوجه الثالث أن تكون {ما} بمنزلة الذى، وهو اسم بئس، وأن يكفروا المخصوص بالذم، وقيل اسم بئس مضمر فيها، والذى وصلته المخصوص بالذم.
والوجه الرابع أن تكون {ما} مصدرية أي بئس شراؤهم، وفاعل بئس على هذا مضمر، لأن المصدر هنا مخصوص ليس بجنس.
قوله: {بغيا} مفعول له، ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر، لأن ما تقدم يدل على أنهم بغوا بغيا {أن ينزل الله} مفعول من أجله: أي بغوا، لأن أنزل الله، وقيل التقدير: بغيا على ما إنزال الله: أي حسدا على ما خص الله به نبيه من الوحى ومفعول ينزل محذوف: أي ينزل الله شيئا {من فضله} ويجوز أن تكون من زائدة على قول الأخفش، و{من} نكرة موصوفة: أي على رجل {يشاء} ويجوز أن تكون بمعنى الذى، ومفعول يشاء محذوف: أي يشاء نزوله عليه، ويجوز أن يكون يشاء يختار ويصطفى، و{من عباده} حال من الهاء المحذوفة، ويجوز أن يكون في موضع جر صفة أخرى لمن {فباءوا بغضب} أي مغضوبا عليهم فهو حال {على غضب} صفة لغضب الأول {مهين} الياء بدل من الواو، لإنه من الهوان.
قوله تعالى: {ويكفرون} أي وهم يكفرون، والجملة حال، والعامل فيها قالوا من قوله: {قالوا نؤمن} ولا يجوز أن يكون العامل نؤمن، إذ لو كان كذلك لوجب أن يكون لفظ الحال ونكفر: أي ونحن نكفر، والهاء في {وراءه} تعود على {ما} والهمزة في وراء بدل من ياء لأن ما فاؤه واو لا يكون لامه واوا، ويدل عليه أنها ياء في تواريت لا همزة، وقال ابن جنى: هي عندنا همزة لقولهم، وريئة بالهمز في التصغير {وهو الحق} جملة في موضع الحال.
والعامل فيها يكفرون.
ويجوز أن يكون العامل معنى الاستقرار الذي دلت عليه {ما} إذ التقدير: بالذى استقر وراءه {مصدقا} حال مؤكدة، والعامل فيها ما في الحق من معنى الفعل، إذ المعنى وهو ثابت مصدقا، وصاحب الحال الضمير المستتر في الحق عند قوم، وعند آخرين صاحب الحال ضمير دل عليه الكلام، والحق مصدر لا يتحمل الضمير على حسب تحمل اسم الفاعل له عندهم، فأما المصدر الذي ينوب عن الفعل كذلك: ضربا زيدا فيتحمل الضمير عند قوم {فلم} ما هنا استفهام، وحذفت ألفها مع حرف الجر للفرق بين الاستفهامية والخبرية، وقد جاءت في الشعر غير محذوفة، ومثله {فيم أنت من ذكراها} {وعم يتساءلون} {ومم خلق} {تقتلون} أي قتلتم، والمعنى أن آباءهم قتلوا، فلما رضوا بفعلهم أضاف القتل إليهم {إن كنتم} جوابها محذوف دل عليه ما تقدم.
قوله تعالى: {بالبينات} يجوز أن تكون في موضع الحال من موسى، تقديره: جاءكم ذا بينات وحجة، أو جاء ومعه البينات، ويجوز أن يكون مفعولا به: أي بسبب إقامة البينات.
قوله تعالى: {في قلوبهم العجل} أي حب العجل فحذف المضاف، لأن الذي يشربه القلب المحبة لا نفس العجل {بكفرهم} أي بسبب كفرهم، ويجوز أن يكون حالا من المحذوف: أي مختلطا بكفرهم، وأشربوا في موضع الحال، والعامل فيه قالوا: أي قالوا ذلك وقد أشربوا، وقد مرادة، لأن الفعل الماضي لا يكون حالا إلا مع قد.
وقال الكوفيون: لا يحتاج إليها، ويجوز أن يكون وأشربوا مستأنفا والأول أقوى، لأنه قد قال بعد ذلك {قل بئس ما يأمركم} فهو جواب قولهم: {سمعنا وعصينا} فالأولى أن لا يكون بينهما أجنبي.
قوله تعالى: {إن كانت لكم الدار} الدار اسم كان، وفى الخبر ثلاثة أوجه: أحدها هو {خالصة} وعند ظرف لخالصة أو للاستقرار الذي في لكم، ويجوز أن تكون عند حالا من الدار، والعامل فيها كان أو الاستقرار، وأما لكم فتكون على هذا متعلقة بكان لأنها تعمل في حروف الجر، ويجوز أن تكون للتبيين فيكون موضعها بعد خالصة أي خالصة لكم، فيتعلق بنفس خالصة، ويجوز أن يكون صفة لخالصة قدمت عليها فيتعلق حينئذ بمحذوف، والوجه الثاني أن يكون خبر كان لكم، وعند الله ظرف، وخالصة حال، والعامل كان أو الاستقرار.
والثالث أن يكون عند الله هو الخبر، وخالصة حال، والعامل فيها إما عند أو ما يتعلق به، أو كان أولكم، وسوغ أن يكون عند خبر كان لكم إذ كان فيه تخصيص وتبيين، ونظيره قوله: {ولم يكن له كفوا أحد} لولا له لم يصح أن يكون كفوا خبرا {من دون} في موضع نصب بخالصة لأنك تقول خلص كذا من كذا.
قوله تعالى: {أبدا} ظرف {بما قدمت} أي بسبب ما قدمت فهو مفعول به، ويقرب معناه من معنى المفعول له، وما بمعنى الذى، أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، فيكون مفعول قدمت محذوفا: أي بتقديم أيديهم الشر.
قوله تعالى: {ولتجدنهم} هي المتعدية إلى مفعولين، والثانى {أحرص} و{على} متعلقة بأحرص {ومن الذين أشركوا} فيه وجهان: أحدهما هي معطوفة على الناس في المعنى، والتقدير: أحرص من الناس: أي الذين في زمانهم، وأحرص من الذين أشركوا، يعنى به المجوس، لأنهم كانوا إذا دعوا بطول العمر قالوا: عشت ألف نيروز.
فعلى هذا في {يود} وجهان: أحدهما هو حال من الذين أشركوا، تقديره: ود أحدهم، ويدلك على ذلك أنك لو قلت: ومن الذين أشركوا الذين يود أحدهم صح أن يكون وصفا، ومن هنا قال الكوفيون: هذا يكون على حذف الموصول وإبقاء الصلة.
والوجه الثاني أن تجعل يود أحدهم حالا من الهاء والميم في ولتجدنهم، أي لتجدنهم أحرص الناس وادا أحدهم.
والوجه الثاني من وجهى {من الذين} أن يكون مستأنفا، والتقدير: ومن الذين أشركوا قوم يود أحدهم، أو من يود أحدهم وماضي يود وددت بكسر العين، فلذلك صحت الواو لأنها لم يكسر ما بعدها في المستقبل {لو يعمر} لو هنا بمعنى أن الناصبة للفعل، ولكن لا تنصب، وليست التي يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، ويدلك على ذلك شيئان: أحدهما أن هذه يلزمها المستقبل، والأخرى معناها في الماضي، والثانى أن يود يتعدى إلى مفعول واحد، وليس مما يعلق عن العمل، فمن هنا لزم أن يكون لو بمعنى أن، وقد جاءت بعد يود في قوله تعالى: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} وهو كثير في القرآن والشعر، و{يعمر} يتعدى إلى مفعول واحد، وقد أقيم مقام الفاعل، و{ألف سنة} ظرف {وما هو بمزحزحه}.
في هو وجهان: أحدهما هو ضمير أحد: أي وما ذلك التمنى بمزحزحه خبر ما، و{من العذاب} متعلق بمزحزحه و{أن يعمر} في موضع رفع بمزحزحه: أي وما الرجل بمزحزحه تعميره، والوجه الآخر أن يكون هو ضمير التعمير، وقد دل عليه قوله: {لو يعمر} وقوله: {أن يعمر} بدل من هو، ولا يجوز أن يكون هو ضمير الشأن، لأن المفسر لضمير الشأن مبتدأ وخبر، ودخول الباء في بمزحزحه يمنع من ذلك.
قوله تعالى: {من كان عدوا لجبريل} من شرطية، وجوابها محذوف تقديره فليمت غيظا أو نحوه {فإنه نزله} ونظيره في المعنى {من كان يظن أن لن ينصره الله} ثم قال: {فليمدد} {بإذن الله} في موضع الحال من ضمير الفاعل في نزل، وهو ضمير جبريل، وهو العائد على إسم إن، والتقدير نزوله ومعه الإذن، أو مأذونا به {مصدقا} حال من الهاء في نزله وكذلك {هدى وبشرى} أي هاديا ومبشرا.
قوله تعالى: {عدو للكافرين} وضع الظاهر موضع المضمر، لأن الأصل: من كان عدوا لله وملائكته فإن الله عدو له أو لهم، وله في القرآن نظائر كثيرة ستمر بك إن شاء الله.
قوله تعالى: {أو كلما} الواو للعطف، والهمزة قبلها للاستفهام على معنى الانكار، والعطف هنا على معنى الكلام المتقدم في قوله: {أفكلما جاءكم رسول} وما بعده، وقيل الواو زائدة، وقيل هي أو التي لأحد الشيئين حركت بالفتح، وقد قرئ شإذا بسكونها {عهدا} مصدر من غير لفظ الفعل المذكور، ويجوز أن يكون مفعولا به: أي أعطوا عهدا، وهنا مفعول آخر محذوف تقديره: عاهدوا الله أو عاهدوكم.
قوله تعالى: {رسول من عند الله مصدق} هو مثل قوله: {كتاب من عند الله مصدق} وقد ذكر {الكتاب} مفعول أوتوا، و{كتاب الله} مفعول نبذ {كأنهم} هي وما عملت فيه في موضع الحال، والعامل نبذ، وصاحب الحال فريق تقديره شبهين للجهال.
قوله تعالى: {واتبعوا} هو معطوف على وأشربوا أو على نبذة فريق {تتلو} بمعنى تلت {على ملك} أي على زمن ملك، فحذف المضاف، والمعنى في زمن و{سليمان} لا ينصرف، وفيه ثلاثة أسباب: العجمة، والتعريف، والألف والنون، وأعاد ذكره ظاهرا تفخيما، وكذلك تفعل في الأعلام والأجناس أيضا كقول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** يغص الموت ذا الغنى والفقيرا

{ولكن الشياطين} يقرأ بتشديد النون ونصب الاسم، ويقرأ بتخفيفها ورفع الاسم بالابتداء، لأنها صارت من حروف الابتداء، وقرأ الحسن {الشياطون} وهو كالغلط شبه فيه الياء قبل النون بياء جمع التصحيح {يعلمون الناس} في موضع نصب على الحال من الضمير في كفروا، وأجاز قوم أن يكون حالا من الشياطين، وليس بشئ لأن لكن لا يعمل في الحال {وما أنزل} {ما} بمعنى الذى، وهو في موضع نصب عطفا على السحر: أي ويعلمون الذي أنزل، وقيل هو معطوف على ما تتلو، وقيل {ما} في موضع جر عطفا على ملك سليمان: أي وعلى عهد الذي أنزل على الملكين، وقيل {ما} نافية: أي وما أنزل السحر على الملكين، أو وما أنزل إباحة السحر، والجمهور على فتح اللام من {الملكين} وقرئ بكسرها و{هاروت وماروت} بدلان من الملكين، وقيل هما قبيلتان من الشياطين، فعلى هذا لا يكونان بدلين من الملكين، وإنما يجئ هذا على قراءة من كسر اللام في أحد الوجهين {ببابل} يجور أن يكون ظرفا لأنزل، ويجوز أن يكون حالا من الملكين أو من الضمير في أنزل {حتى يقولا} أي إلى أن يقولا، والمعنى أنهما كانا يتركان تعليم السحر إلى أن يقولا {إنما نحن فتنة} وقيل حتى بمعنى إلا: أي وما يعلمان من أحد إلا أن يقولا، وأحد هاهنا يجوز أن تكون المستعملة في العموم كقولك: ما بالدار من أحد، ويجوز أن تكون هاهنا بمعنى واحد أو إنسان {فيتعلمون منهما} هو معطوف على يعلمان، وليس بداخل في النفى، لأن النفى هناك راجع إلى الإثبات، لأن المعنى يعلمان الناس السحر بعد قولهما {نحن فتنة فيتعلمون} وقيل: التقدير: فيأتون فيتعلمون، ومنهما ضمير الملكين، ويجوز أن يكون ضمير السحر والمنزل على الملكين، وقيل هو معطوف على يعلمون الناس السحر، فيكون منهما على هذا السحر، والمنزل على الملكين، أو يكون ضمير قبيلتين من الشياطين، وقيل هو مستأنف، ولم يجز أن ينصب على جواب النهى: لأنه ليس المعنى إن تكفر يتعلموا {ما يفرقون} يجوز أن تكون {ما} بمعنى الذى، وأن تكون نكرة موصوفة، ولا يجوز أن تكون مصدرية لعود الضمير من {به} إلى {ما} المصدرية لا يعود عليها ضمير {بين المرء} الجمهور على إثبات الهمزة بعد الراء، وقرئ بتشديد الراء من غير همز، ووجهه أن يكون ألقى حركة الهمزة على الراء، ثم نوى الوقف عليه مشددا كما قالوا: هذا خالد، ثم أجروا الوصل مجرى الوقف.
قوله تعالى: {إلا بإذن الله} الجار والمجرور في موضع نصب على الحال إن شئت من الفاعل وإن شئت من المفعول، والتقدير: وما يضرون أحدا بالسحر إلا والله عالم به، أو يكون التقدير: إلا مقرونا بإذن الله {ولا ينفعهم} هو معطوف على الفعل قبله، ودخلت لا للنفي، ويجوز أن يكون مستأنفا أي وهو لا ينفعهم فيكون حالا ولا يصح عطفه على ما، لأن الفعل لا يعطف على الاسم {لمن اشتراه} اللام هنا هي التي يوطأ بها للقسم مثل التي في قوله، {لئن لم ينته المنافقون} و{من} في موضع رفع بالابتداء، وهى شرط، وجواب القسم {ماله في الآخرة من خلاق} وقيل {من} بمعنى الذى، وعلى كلا الوجهين موضع الجملة نصب بعلموا، ولا يعمل علموا في لفظ من لأن الشرط ولام الابتداء لهما صدر الكلام {ولبئس ما} جواب قسم محذوف {ولو كانوا} جواب لو محذوف تقديره لو كانوا ينتفعون بعلمهم لا متنعوا من شراء السحر.
قوله تعالى: {ولو أنهم آمنوا} أن وما عملت فيه مصدر في موضع رفع بفعل محذوف، لأن لو تقتضي الفعل وتقديره: لو وقع منهم أنهم آمنوا: أي إيمانهم، ولم يجزم بلو لأنها تعلق الفعل الماضي بالفعل الماضي، والشرط خلاف ذلك {لمثوبة} جواب لو، ومثوبة مبتدأ و{من عند الله} صفته و{خير} خبره، وقرئ مثوبة بسكون الثاء وفتح الواو قاسوه على الصحيح من نظائره نحو مقتلة.
قوله تعالى: {راعنا} فعل أمر، وموضع الجملة نصب بتقولوا قرئ شإذا {راعنا} بالتنوين: أي لا تقولوا قولا راعنا.
قوله تعالى: {ولا المشركين} في موضع جر عطفا على أهل، وإن كان قد قرئ: {ولا المشركون} بالرفع فهو معطوف على الفاعل {أن ينزل} في موضع نصب بيود {من خير} من زائدة، و{من ربكم} لابتداء غاية الإنزال، ويجوز أن يكون صفة لخبر، إما جرا على لفظ خير، أو رفعا على موضع {من خير} {يختص برحمته من يشاء} أي من يشاء اختصاصه، فحذف المضاف فبقى من يشاؤه، ثم حذف الضمير، ويجوز أن يكون يشاؤه يختاره فلا يكون فيه حذف مضاف.
قوله: {ما ننسخ} ما شرطية جازمة لننسخ منصوبة الموضع بننسخ مثل قوله: {أيا ما تدعوا} وجواب الشرط {نأت بخير منها} و{من آية} في موضع نصب على التمييز، والمميز: {ما} والتقدير: أي شيء ننسخ من آية، ولا يحسن أن يقدر: أي آية ننسخ لأنك لا تجمع بين هذا وبين التمييز بآية، ويجوز أن تكون زائدة وآية حالا، والمعنى: أي شيء ننسخ قليلا أو كثيرا، وقد جاءت الآية حالا في قوله تعالى: {هذه ناقة الله لكم آية} وقيل {ما} هنا مصدرية، وآية مفعول به، والتقدير: أي نسخ ننسخ آية، ويقرأ: {ننسخ} بفتح النون وماضيه نسخ، ويقرأ بضم النون وكسر السين ماضيه أنسخت، يقال: أنسخت الكتاب: أي عرضته للنسخ {أو ننسأها} معطوف على ننسخ، ويقرأ بغير همز على إبدال الهمزة ألفا، ويقرأ ننسها بغير ألف ولا همز، وننسها بضم النون وكسر السين، وكلاهما من نسى إذا ترك، ويجوز أن يكون من نسأ إذا أخر إلا أنه أبدل الهمزة ألفا، ومن قرأ بضم النون حمله على معنى نأمرك بتركها أو بتأخيرها، وفيه مفعول محذوف، والتقدير ننسكها.
قوله تعالى: {له ملك السموات} مبتدأ وخبر في موضع خبر أن، ويجوز أن يرتفع ملك بالظرف عند الأخفش، والملك بمعنى الشيء المملوك، يقال لفلان ملك عظيم: أي مملوكه كثير، والملك أيضا بالكسر: المملوك، إلا أنه لا يستعمل بضم الميم في كل موضع، بل في مواضع الكثرة وسعة السلطان {من ولى} من زائدة وولى في موضع رفع مبتدأ، ولكم خبره، و{نصير} معطوف على لفظ ولى، ويجوز في الكلام رفعه على موضع ولى.
ومن دون في موضع نصب على الحال من ولى، أو من نصير، والتقدير: من ولى دون الله، فلما تقدم وصف النكرة عليها انتصب على الحال.